المقدمة
بعد أكثر من عقد من الصراع، شهدت سوريا تدميراً واسعاً للبنية التحتية وتقلّصاً حاداً في الناتج المحلي الإجمالي؛ إذ من المتوقع انكماش الاقتصاد بنسبة 1.5٪ في 2024 بعد انكماش 1.2٪ عام 2023، مع استمرار تراجع الاستثمار الخاص وسط ارتفاع كبير في مخاطر أمنية وسياسية . وانعكس ذلك على مستوى معيشة الأسر ورأس المال البشري؛ فقد بيّن تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن الاقتصاد السوري لن يستعيد مستوياته قبل الصراع قبل عام 2080 في ظل الظروف الراهنة .
التحديات الراهنة
عدم الاستقرار الاقتصادي والعقوبات الدولية
تعاني سوريا من إرث ثقيل من العقوبات الدولية على قطاعات الطاقة والتمويل، رغم البدء مؤخراً في تخفيف بعضها عبر تراخيص مؤقتة من الإدارة الأمريكية . ومع أن بعض القيود خففت مؤقتاً لتمكين استيراد الخدمات الأساسية، إلا أن الأصول المصرفية السورية لا تزال مجمّدة، مما يقيد قدرة الشركات على الحصول على ائتمان وتمويل طويل الأجل .
ضعف البنية التحتية وتأثير الحرب
تعرضت شبكات الكهرباء والمياه والطرق لأضرار جسيمة خلال سنوات الصراع، الأمر الذي يرفع تكاليف التشغيل ويضعف القدرة التنافسية للمؤسسات المحلية . كما أكّد خبراء أن البنية التحتية الصناعية والزراعية تضررت إلى حد كبير، مما أدى إلى توقف كثير من المشروعات وانخفاض الإنتاجية الوطنية .
صعوبات الوصول إلى التمويل
يواجه رجال الأعمال صعوبة في تأمين التمويل المصرفي بسبب احتياطات رأس المال المحدودة للبنوك المحلية وتعقيدات التراخيص المصرفية، إلى جانب ارتفاع أسعار الفائدة والفجوة في سعر الصرف الرسمي مقابل السوق السوداء . وتضيف القيود القانونية والرقابية على تحويل الأموال عبر الحدود عائقاً أكبر أمام الاستثمارات الأجنبية والمحلية على حد سواء.
نقص رأس المال البشري وهجرة العقول
أدت سنوات النزاع وارتفاع البطالة إلى نزوح نصف السكان تقريباً داخلياً وخارجياً، مع رحيل نسبة كبيرة من الكوادر الأكاديمية والفنية إلى دول الجوار وأوروبا . ويؤثر هذا النقص في المهارات المتخصصة سلباً على كفاءة إدارة الأعمال وقدرة الشركات على الابتكار والتوسع.
البيئة التنظيمية والبيروقراطية
تتسم البيئة التنظيمية بعدم الاستقرار والتغير المتكرر في القوانين والإجراءات الإدارية، ما يزيد من تكاليف الانخراط في السوق ويطيل زمن إنجاز المعاملات التجارية . إضافة إلى ذلك، تفتقر العديد من المؤسسات إلى شفافية كافية في عمليات الترخيص ومتابعة الالتزامات الضريبية، مما يولّد حالة من عدم الثقة بين القطاعين العام والخاص.
توسّع الاقتصاد غير الرسمي
برز الاقتصاد غير الرسمي كملاذ للعديد من المؤسسات والأفراد لتجاوز العوائق النظامية، حيث تشكّل المعاملات غير المسجّلة أكثر من نصف النشاط الاقتصادي في بعض المناطق . هذا النموّ في الاقتصاد الموازٍ يساهم في تآكل القاعدة الضريبية ويعقّد جهود توسيع السوق الرسمي وتنميته.
آفاق المستقبل
فرص إعادة الإعمار والاستثمار
يشكّل تخفيف العقوبات مؤقتاً ومنح تراخيص للاستثمار في قطاعي الكهرباء والماء مدخلاً لإنعاش المشاريع الكبرى في إعادة الإعمار؛ فقد منحت الولايات المتحدة رخصة لإعادة تشغيل محطات طاقة رئيسية، فيما تستعد منظمات دولية لضخ نحو 1.3 مليار دولار لدعم جهود الترميم والبنية التحتية .
الإصلاحات المؤسسية والحوكمة
يُعوّل على تعيين محافظ جديد لمصرف سوريا المركزي لدفع عجلة الإصلاح المالي، إذ يساهم تحديث القوانين المصرفية وتفعيل مؤسسة الأوراق المالية في تعزيز شفافية السوق وزيادة ثقة المودعين والمستثمرين .
التحول الرقمي والاقتصاد المعرفي
أطلقت الحكومة استراتيجية وطنية للتحول الرقمي تندرج ضمنها مبادرات لتطوير البنية التحتية للاتصالات وتعزيز مساهمة قطاع تكنولوجيا المعلومات في الناتج المحلي الإجمالي، مع استضافة دمشق أول مؤتمر وطني للذكاء الاصطناعي لتشجيع البحث والابتكار .
دعم ريادة الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة
يتوقع أن يسهم دعم برامج الحاضنات والمسرّعات الرقمية في تنمية الشركات الناشئة، خاصة في مجالات التجارة الإلكترونية والخدمات التقنية، وذلك ضمن خطة تمويلية مشتركة بين UNDP والبنك الدولي تستهدف تنمية قدرات الكوادر الشابة وإتاحة قروض ميسرة .
التكامل الإقليمي وتعزيز التجارة
يكمن الأمل في فتح أسواق الجوار (تركيا、لبنان、الأردن) أمام الصادرات السورية عبر اتفاقيات تجارية ميسّرة، إلى جانب فتح قنوات تمويل لمشاريع مشتركة مع القطاع الخاص في الدول المجاورة، ما يساهم في تنويع مصادر الدخل ودعم الصناعات الوطنية بدلاً من الاعتماد على الأسواق المحلية فقط .
الخاتمة
رغم التحديات الجسيمة التي فرضها النزاع والعقوبات ونقص البنية التحتية والمواهب، تبرز أمام إدارة الأعمال في سوريا فرص واعدة في ظل الانفتاح الجزئي على الاستثمار وإطلاق الإصلاحات المؤسسية والتحول الرقمي. نجاح هذه الآفاق يتطلب تكاملاً بين القطاعين العام والخاص، ودعماً دولياً ميسراً، إلى جانب تعزيز القدرات المحلية وتمكين روّاد الأعمال لقيادة مرحلة إعادة الإعمار والنمو الاقتصادي المستدام.

