A young businessman working from his office  - the concept of hard work

الإدارة العامة في سوريا: نحو حكْم رشيد وبناء جهاز إداري فاعل

المقدمة
تمثل الإدارة العامة العمود الفقري لعمل الدولة ومؤسساتها في تحقيق أهداف التنمية وحفظ مصالح المواطنين. في سوريا، تبرز الحاجة الملحّة إلى تعزيز مبادئ الحوكمة الرشيدة وبناء جهاز إداري فاعل قادر على مواجهة التحديات الراهنة ودعم جهود إعادة الإعمار والاستقرار.


١. مفهوم الحكْم الرشيد في الإدارة العامة
الحكْم الرشيد (Good Governance) هو إطار عمل يرتكز على مبادئ أساسية تضمن إدارة الشأن العام بكفاءة وعدالة، وتتمثل في:
• المسؤوليّة والمحاسبة: وجوب توضيح من يتحمّل مسؤولية اتخاذ القرار وتنفيذ السياسات، مع إمكانية مساءلة الجهات الإدارية عن أدائها.
• الشفافية: نشر المعلومات والإجراءات للجهات الحكومية والمواطنين لتسهيل الرقابة والمشاركة.
• العدالة والمساواة: ضمان تكافؤ الفرص أمام الجميع في الحصول على الخدمات وتلقي المعاملة العادلة.
• المشاركة: إشراك المواطنين والقطاع الخاص والمجتمع المدني في وضع القرارات والسياسات التي تمسّهم.
• الكفاءة والفعالية: استغلال الموارد المتاحة بأفضل صورة لتحقيق النتائج المنشودة بأقل تكلفة وزمن ممكن.
• سيادة القانون: احترام الأطر القانونية وحماية الحقوق بما يضمن الالتزام بالقوانين واللوائح الناظمة للعمل الحكومي.


٢. التحديات الراهنة أمام الإدارة العامة في سوريا

  1. العراقيل المؤسسية والبيروقراطية
    o تعدد المستويات الإدارية واختلاف الصلاحيات بين الوزارات والمحافظات، مما يطيل إجراءات اتخاذ القرار.
    o غياب نظام موحّد للإنجاز ومتابعة المؤشرات (KPIs)، فيُعجز الجهات الرقابية عن تقييم الأداء بموضوعية.
  2. النقص في الكفاءات والموارد البشرية
    o هجرة شريحة واسعة من الكوادر المتخصصة خلال السنوات الماضية، مما أثر سلباً على توافر الخبرات الفنية والإدارية.
    o غياب برامج تدريب مستمر ومتخصصة لتطوير مهارات الموظفين في إدارة المشاريع، التخطيط الاستراتيجي، والتواصل المؤسسي.
  3. الفساد وسوء استخدام السلطة
    o تركز السلطة في مستويات عليا أتاح بعض التجاوزات في ممارسة الصلاحيات دون مساءلة فعالة.
    o ضعف آليات الرقابة الداخلية والخارجية وسهولة تهريب الوثائق والتلاعب بالمشتريات الحكومية.
  4. انعدام الشفافية ونقص المشاركة
    o محدودية نشر البيانات الحكومية والإحصاءات الرسمية أمام المواطنين، مما يضعف الثقة ويحدّ من دور الرقابة الشعبية.
    o قلة حوارات السياسات العامة مع المجتمع المدني والقطاع الخاص، فيصبح المواطن متفرّجاً بدلاً من شريك.
  5. التكنولوجيا والبنية المعلوماتية
    o بطء وتعرّج في تطبيق الخدمات الإلكترونية الحكومية (e-Government)، مع ضعف الربط الشبكي بين الوزارات والمحافظات.
    o قصور في إدارة البيانات الحكومية وغياب نظام موحد لحماية المعلومات وأمنها.

٣. استراتيجيات نحو حكم رشيد وبناء جهاز إداري فاعل
المحور الإجراءات المقترحة
الإصلاح التشريعي • مراجعة التشريعات المنظمة للعمل الحكومي وتبسيط الإجراءات.

  • توضيح الصلاحيات والمسؤوليات بين المؤسسات المركزية والمحلية.
    إعادة هيكلة الخدمة المدنية • تطوير نظام دقيق للوظائف والمسارات المهنية (Career Paths).
  • إنشاء هيئة عليا للتوظيف والاختيار تعتمد على الشفافية والكفاءة.
    التكوين وبناء القدرات • إطلاق منظومة تدريب وطنية للتطوير المهني المستمر للموظفين.
  • شراكات مع جامعات ومراكز تدريب دولية لتبادل الخبرات.
    الرقابة والمساءلة • تفعيل دور ديوان المحاسبة وهيئة مكافحة الفساد بإجراءات واضحة.
  • تعميم آليات الشكاوى الإلكترونية ومتابعة الردّ عليها ضمن أطر زمنية محددة.
    التحول الرقمي • إطلاق بوابة حكومية موحدة للخدمات الإلكترونية وربط جميع الوزارات.
  • تبنّي نظام إدارة الوثائق الإلكترونية وتشفيرها لضمان الأمان.
    المشاركة والشفافية • إنشاء منتديات حوار دورية مع المجتمع المدني والقطاع الخاص.
  • نشر التقارير الربع سنوية للمؤشرات الإدارية والمالية عبر موقع رسمي.
    اللامركزية • منح صلاحيات أوسع للمحافظات والجهات المحلية في تخطيط وتنفيذ المشاريع.
  • دعم المجالس المحلية مالياً وتقنياً لتعزيز دورها الرقابي.

٤. توصيات لبناء جهاز إداري فاعل

  1. تبني ثقافة الأداء المبني على المؤشرات
    o كل وحدة إدارية تحدد أهدافاً سنوية قابلة للقياس، مع رصد الأداء وتقارير دورية تُعرض على القيادة.
  2. تعزيز الحوار الحكومي–المجتمعي
    o صياغة آليات مشاركة فعّالة، مثل الاستبيانات والاستشارات العامة قبل إصدار السياسات الكبرى.
  3. خطط استباقية لإدارة الأزمات
    o إنشاء وحدات متخصصة للتخطيط للطوارئ والكوارث، مع تحديث دوري للخطط والتدريبات المشتركة.
  4. التوعية والتغيير الثقافي
    o حملات داخلية لتعزيز قيم النزاهة والشفافية والالتزام بالمعايير المهنية.
  5. تفعيل الشراكات الدولية
    o التعاون مع منظمات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الدولي للهيئات الحكومية لتبادل الخبرات ومصادر التمويل.

الخاتمة
إنّ تحقيق حكم رشيد وبناء جهاز إداري فاعل في سوريا مرهون برؤية إصلاحية شاملة تبدأ من التشريعات مروراً بإعادة هيكلة الموارد البشرية وتفعيل التحول الرقمي، وصولاً إلى إشراك المواطنين والقطاع الخاص في صنع القرار. تتطلب هذه المسيرة إرادة سياسية قوية وتنسيقاً بين الجهات المحلية والدولية، ورغبة حقيقية في وضع اختبارات شفافة للمساءلة والالتزام بالمعايير المهنية لخدمة المواطن وحماية المصلحة العامة.

Tags: No tags

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *