المقدمة
يمثل الاقتصاد الإسلامي نموذجاً يركّز على مبادئ العدل والتكافل ومشاركة المخاطر، ويعتمد في تمويله على أدوات شرعية مثل المرابحة والإجارة والإستصناع، إضافة إلى التأمين التكافلي (Takaful) الذي يقوم على مبدأ “الضمان التعاوني”. في سوريا، يكتسب التمويل التكافلي أهمية خاصة في مرحلة ما بعد النزاع لإعادة الإعمار وتعويض الأضرار، كونه يوفّر حلولاً تمويلية شاملة ومتوافقة مع الشريعة.
١. مبادئ الاقتصاد الإسلامي والتمويل التكافلي
• التمويل بدون ربا: منع الفوائد التقليدية واستبدالها بعوائد متفق عليها (مرابحة–إجارة–مشاركة–مضاربة) لضمان التوازن بين مصالح المقرض والمُقترض.
• مشاركة المخاطر: يتحمّل جميع الأطراف جزءاً من المخاطر والعوائد، ما يعزز مناخ الشفافية والمسؤولية المشتركة.
• الضمان التعاوني (Takaful): يقوم على تجمع المشتركين في “صندوق تكافلي” يدار بشفافية، حيث تُستخدم الأقساط في تعويض المتضررين، وتُستثمر الفائضات في مشاريع تنموية بعد خصم الاحتياجات التشغيلية والاحتياطي الشرعي S&P Global.
٢. واقع التمويل التكافلي في سوريا
• القطاع المصرفي الإسلامي: تضم سوريا عدداً من المصارف الإسلاميّة مثل “مصرف البركة” و“بنك شام الإسلامي” و“المصرف الإسلامي الوطني” و“المصرف الدولي الإسلامي السوري” VikipediVikipedi.
• غياب كافّة منتجات التكافل: رغم وجود بنوك إسلامية، يندر تقديم منتجات تأمين تكافلي متكاملة، ويقتصر العرض عادة على بعض عقود الوكالة الاستثمارية دون هيكلة واضحة لصناديق التكافل.
• دعم مؤسسي جزئي: لعبت “بنك التنمية الإسلامي” دور الشريك التنموي الأكبر منذ 1974 بتمويل مشاريع في قطاعات المياه والطاقة والصحة؛ إذ توزّعت تمويلاته على مدار خمسين عاماً وصولاً إلى 2024 ضمن برامج إعادة الإعمار والتنمية المحلية syria-report.com.
٣. آفاق التمويل التكافلي في سوريا
- إطار تشريعي داعم
o إنجاز مشروع قانون التمويل الإسلامي الشامل وتحديثه ليتضمن تنظيم نشاط التكافل وفصل أصوله عن أصول البنوك التقليدية. - تطوير البنية التحتية الرقمية
o إطلاق منصات إلكترونية للصناديق التكافلية تسهّل عملية الاشتراك والمطالبة بالتعويض، وتربطها ببوابة الدفع الإلكترونية الحكومية. - شراكات دولية
o التعاون مع هيئات عالمية مثل “رابطة تكافل العالمية” والبنك الإسلامي للتنمية لتبادل الخبرات وتدريب الكوادر المحلية. - زيادة الوعي المجتمعي
o حملات توعوية عبر الإعلام والجامعات لتعريف أصحاب المشاريع الصغيرة والوسطى بإمكانات التكافل كآلية حماية وتمويل ResearchGate.
٤. دور التكافل في إعادة الإعمار
• ضمان المشاريع الإنشائية: تغطية المخاطر الانشائية والإدارية للمقاولين عبر عقود “تعاقد استصناع” تكافلي، ما يضمن تمويل تنفيذ البنى التحتية الصحية والتعليمية والسكنية.
• تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة: منح القروض المرابحية للمشاريع الصغيرة مع تأمين تكافلي لمخاطر التعثر، ما يعزز قدرة روّاد الأعمال على الانطلاق وإعادة تشغيل ورش الإنتاج.
• دعم القطاع الزراعي: تقديم “تكافل زراعي” يضمن المحاصيل والمنشآت، ويشجّع المزارعين على استصلاح الأراضي وتأهيل البنى التحتية الزراعية.
• التعويض عن الأضرار: تأسيس صندوق تكافلي وطني لتعويض أصحاب المنازل والممتلكات المتضررة بفعل النزاع، يمثّل نموذجاً للتضامن المجتمعي وتمكين الأسر من البدء في الصيانة والإعمار دون أعباء مالية فورية.
٥. التحديات والحلول المقترحة
التحدّي الحلّ المقترح
نقص الإطار التشريعي الواضح إقرار قانون التمويل الإسلامي وتطبيقه بفعالية؛ تفعيل الرقابة الشرعية.
محدودية الخبرات والكوادر برامج تدريبية مشتركة مع مؤسسات دولية وتقنية لتعزيز قدرات العاملين.
ضعف البنية التقنية تطوير بوابة تكافل وطنية تتكامل مع الخدمات المصرفية الإلكترونية.
قلة الوعي بشروط التكافل حملات توعوية وورش عمل للشركات والمزارعين والقطاع المدني.
مخاطر سوقية ومالية عالية إنشاء احتياطيات شرعية وإشراف دقيق على صناديق التكافل، وتنويع الاستثمارات.
الخاتمة
يمثّل التمويل التكافلي خياراً استراتيجياً لإعادة إعمار سوريا من خلال دمج مبدأ التضامن الاجتماعي مع أدوات التمويل الإسلامي. يتطلب نجاحه إطاراً تشريعياً داعماً، وبنية تقنية متطورة، وكوادر مدرَّبة، إضافة إلى توعية شاملة. بالعمل المتكامل بين القطاعين العام والخاص وبالتعاون مع المجتمع المدني والمؤسسات الإسلامية الدولية، يصبح التكافل ركناً أساسياً في مسيرة إعادة الإعمار وتحقيق تنمية مستدامة عادلة ومتوازنة.

