Banking Saving Money Management Account Concept

العلوم المالية والمصرفية في سوريا: بناء قطاع مصرفي مرن يدعم التعافي الاقتصادي

المقدمة
يلعب القطاع المصرفي دوراً محورياً في تعبئة المدخرات وتحويلها إلى استثمارات منتجة تساهم في إعادة الإعمار ودعم النمو الاقتصادي. في سوريا، يواجه هذا القطاع تحديات كبرى منذ سنوات النزاع والعقوبات التي أعاقت وظائف المصارف التقليدية، مما يستلزم جهوداً عاجلة لبناء جهاز مصرفي مرن قادر على استيعاب الصدمات وتمويل مسيرة التعافي.


  1. الواقع الحالي للقطاع المصرفي السوري
    • العزلة عن النظام المالي العالمي
    حتى أوائل 2025، ظلّ القطاع المصرفي السوري منعزلاً عن شبكة “سويفت” العالمية، مما حدّ من قدرته على إجراء التحويلات العابرة للحدود بشكل رسمي وميسر .
    • العقوبات وتجميد الأصول
    فرضت الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي على مدى أعوام عقوبات استهدفت المصارف والمؤسسات المالية السورية، بما في ذلك تجميد أصول المصرف المركزي وعزله عن الأسواق الدولية. وفي مايو 2025 صدرت تراخيص عامة أميركية وأوروبية خففت بعض القيود مؤقتاً على المعاملات المالية مع الحكومة والمصرف المركزي تحت قيادة المحافظ الجديد، ما يمهد لإعادة الاندماج في الأسواق العالمية
    • البنية المؤسسية
    يضمّ القطاع المصرفي حالياً أكثر من 15 بنكاً (حكومياً وخاصاً وإسلامياً)، جميعها تعمل بإشراف مصرف سورية المركزي الذي أعيدت هيكلته مطلع 2025 لتعزيز دوره الرقابي والتنفيذي .

  1. التحديات الرئيسية
  2. شحّ السيولة وكفاية رأس المال
    مستوى الملاءة الرأسمالية في كثير من البنوك يقترب من الحدود الدنيا المنصوص عليها دولياً، مما يقيد قدرتها على تمويل المشاريع الكبرى ويعرضها لمخاطر التعثر .
  3. الاقتصاد النقدي والقطاع الموازي
    تجاوزت المعاملات النقدية نصف النشاط الاقتصادي في بعض المناطق، نتيجة لعدم الثقة في النظام المصرفي وضعف انتشار الخدمات الرقمية، ما يؤدي إلى فقدان المصارف فرصة حيوية لتعبئة الودائع.
  4. تذبذب سعر الصرف والتضخم
    حقّقت سوريا معدلات تضخم عالية وانخفاضاً متكرراً في قيمة الليرة مقابل الدولار، مما يزيد من كلفة الاقتراض ويضغط على ميزانيات الأسر والشركات.
  5. نقص الخبرات والتكنولوجيا
    يعاني القطاع من ضعف البنية التحتية التقنية وقلّة الكوادر المدربة على إدارة المخاطر وتطوير الخدمات المصرفية الإلكترونية.

  1. الإصلاحات والمبادرات الرامية لبناء المرونة
    • إعادة هيكلة مصرف سورية المركزي
    مع تعيين الدكتور عبد القادر حصرية محافظاً جديداً في مارس 2025، أُطلقت خطة لإصلاح الحوكمة وتعزيز الشفافية وتحديث الأنظمة المصرفية بما يتوافق مع المعايير الدولية .
    • تفعيل شبكة “سويفت”
    أعلن المصرف المركزي البدء في إجراءات ربط البنوك الوطنية بشبكة “سويفت” خلال الأشهر الستة المقبلة، لتمكينها من التحويلات الآمنة والعابرة للحدود .
    • المشاركة في المؤسسات المالية الدولية
    أعادت سوريا علاقاتها مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من خلال مشاركتها في اجتماعات الربيع 2025، مما يفتح الباب أمام استشارات تقنية ودعم خبرائي لبرامج الإصلاح المالي .
    • الإطار التشريعي والمصرفي
    يجري حالياً إعداد مشروع قانون جديد للمصارف يهدف إلى تحديث شروط الترخيص، وترسيخ معايير كفاية رأس المال وإدارة المخاطر، فضلاً عن تشجيع نمو المصارف الخاصة والإسلامية.

  1. الآفاق المستقبلية لدور المصارف في التعافي
    • تمويل إعادة الإعمار
    يتحوّل القطاع المصرفي من وديعة خاملة إلى مسهّل رئيسي لتمويل مشاريع البنى التحتية (طرق، مياه، طاقة) عبر قروض ميسرة وضمانات حكومية.
    • دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة
    يمكن للمصارف إطلاق خطوط ائتمان مرابحية وتسهيلات تمويل من خلال برامج مشتركة مع الوكالات الدولية والمودعين من السوريين بالخارج.
    • الرقمنة والشمول المالي
    رفع نسبة معاملات الدفع الإلكتروني والمحافظ الرقمية إلى ما يفوق 50% خلال عامين يساهم في تقليل الاقتصاد النقدي وتوسيع قاعدة الودائع.
    • الشمول الاجتماعي
    تمويل القروض المضمونة لمجموعات نسائية وشبابية يسهم في خلق فرص عمل ويساعد في التماسك الاجتماعي.

  1. توصيات لإرساء قطاع مصرفي مرن
    • تعزيز كفاية رأس المال: إلزام البنوك بزيادة نسب رأس المال الأساسي والاحتياطي وفق المعايير الدولية (Basel III).
    • تطوير حوكمة مصرفية قوية: فصل مهام الإشراف عن مهام التنفيذ في مصرف سورية المركزي، وتفعيل لجان الرقابة الداخلية.
    • بناء القدرات التقنية: الاستثمار في نظم إدارة المخاطر وبرامج التدريب المتخصص للموظفين في مجالات الرقمنة وتحليل البيانات.
    • تعزيز الشفافية: نشر تقارير نصف سنوية عن الأداء المالي والمؤشرات التشغيلية للبنوك وعلى مستوى القطاع.
    • التحفيز التشريعي: إصدار تشريعات تتيح للمصارف الخاصة والإسلامية توسيع أنشطتها، وربطها بعروض خدمية مبتكرة.

الخاتمة
يتطلب بناء قطاع مصرفي مرن في سوريا تضافر الجهود بين المصرف المركزي والحكومة والمصارف المحلية والدولية. ومن خلال إصلاح الإطار القانوني، وتعزيز الملاءة المالية، والرقمنة، والشراكات الدولية، يمكن للقطاع المصرفي أن يكون المحرّك الأساسي لتمويل إعادة الإعمار وتحقيق التعافي الاقتصادي المستدام.

Tags: No tags

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *